تعد الثقافة والفن جزءاً لا يتجزأ من هوية أي مجتمع، وفي الجزائر، التي تمتاز بتاريخها العريق وتنوعها الثقافي، يُعد الفن أحد الأسس التي يعكس من خلالها الشعب تاريخه وحضارته. من هذا المنطلق، أطلقت العديد من المبادرات في السنوات الأخيرة لتحفيز الإبداع الفني وحماية التراث الثقافي، كان أبرزها إنشاء "قرى الفنانين" في مختلف المناطق، وهو مشروع يهدف إلى دعم الفنانين وتشجيعهم على تطوير أعمالهم في بيئات مبدعة ومُلهمة. ومن خلال تحويل بعض الأحياء القديمة أو التاريخية إلى قرى للفنانين، يُعزز هذا المشروع من حماية التراث المعماري والعمراني للمنطقة، بالإضافة إلى توفير مساحة تعزز التواصل بين الأجيال المختلفة من الفنانين والمجتمع. أحد أبرز المشاريع هو تحويل حي "ديار المحصول" بالعاصمة إلى قرية للفنانين. وهو مشروع يجمع بين حماية التراث المعماري للعاصمة وتعزيز الإبداع الثقافي. وأعلن وزير السكن والعمران والمدينة، محمد طارق بلعريبي، الخميس، عن مشروع لتحويل حي "ديار المحصول" بالعاصمة إلى قرية للفنانين. وأوضح الوزير خلال جلسة علنية بمجلس الأمة، خصصت لطرح أسئلة شفوية على أعضاء الحكومة، أن الوزارة تعمل بالتعاون مع وزارتي المالية والداخلية والجماعات المحلية على إعداد إطار قانوني لتهيئة هذه البنايات التاريخية. ويهدف المشروع إلى إعادة تأهيل السكنات القديمة في عدة مناطق، بما في ذلك الحي التاريخي الذي يعود إلى الخمسينات. وأشار الوزير إلى أن العملية تشمل وضع إطار قانوني خاص بتهيئة الأحياء السكنية القديمة، خاصة تلك القريبة من المعالم السياحية في العاصمة. ويتم التنسيق مع الوزارات المعنية لضمان تنفيذ المشروع بفعالية، مع إشراك المواطنين في هذه العملية التشاركية. كما أوضح بلعريبي أنه يتم تحديد المسؤوليات وإنشاء التركيبات المالية حسب كل حالة، وفقًا لمقاربة تشاركية تضمن مشاركة المواطن. وفيما يتعلق بتحويل الحي إلى قرية للفنانين، أشار إلى أنه بعد إجلاء السكان، سيتم تحويل الوحدات السكنية إلى ورشات فنية مختصة بالتراث الجزائري. وسيشهد الحي بعد إجلاء السكان تحويل الوحدات السكنية إلى ورشات فنية تهتم بالفن التشكيلي، النحت، التصوير الفوتوغرافي، والموسيقى، مما يعزز الفنون التقليدية والمعاصرة. وقرى الفنانين هي مشاريع سكنية وثقافية تهدف إلى توفير بيئة ملائمة للفنانين من جميع التخصصات، سواء في مجال الرسم، النحت، الموسيقى، المسرح أو حتى الحرف التقليدية. هذه القرى ليست مجرد أماكن سكنية، بل هي منصات إبداعية تجمع بين الفنانين وتهدف إلى خلق بيئة تشجع على التواصل وتبادل الأفكار والفن. كما تسهم في الحفاظ على التراث الثقافي الجزائري، من خلال تحويل بعض المناطق التاريخية أو القديمة إلى ورش عمل فنية تُبرز الجوانب التراثية والثقافية للجزائر. أحد الأهداف الرئيسية لمشاريع قرى الفنانين في الجزائر هو إيجاد بيئة مهنية مستقرة للفنانين، بحيث يتمكنون من ممارسة فنونهم دون التشويش على حياتهم اليومية. بالإضافة إلى ذلك، تهدف هذه القرى إلى تعزيز السياحة الثقافية، حيث يمكن للزوار التعرف على أعمال الفنانين في بيئاتهم الإبداعية، مما يساهم في دفع عجلة الاقتصاد المحلي. رغم أن قرى الفنانين تعد فرصة كبيرة للفنانين المحليين، إلا أن تنفيذ هذه المشاريع يواجه تحديات متعددة، مثل ضرورة توفير تمويل كافٍ لاستكمال البنية التحتية المناسبة، وضمان استدامة هذه القرى لتظل ملاذًا للفنانين على المدى الطويل. كما يتطلب المشروع التعاون بين عدة جهات حكومية وخاصة، لضمان نجاحه واستمراريته. من جهة أخرى، يشكل هذا المشروع فرصة هامة لدعم السياحة الثقافية في الجزائر. فبجانب الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن تحققها هذه القرى، سيسهم المشروع في تعزيز الوعي الثقافي والفني لدى الجمهور، مما سيؤدي إلى تطوير الفنون والثقافة بشكل عام في البلاد. وتمثل قرى الفنانين في الجزائر فرصة ذهبية لتنمية المشهد الفني والثقافي في البلاد، من خلال توفير بيئة ملائمة للفنانين لتحسين مستوى إبداعهم وعرض أعمالهم. كما أن هذه المبادرة تساهم في حماية التراث الثقافي وتعزيز السياحة الثقافية، مما يعكس التزام الجزائر بالحفاظ على هويتها الثقافية والارتقاء بها. ومع الدعم المستمر من الدولة والمجتمع، يمكن أن تصبح هذه القرى محطات أساسية في تاريخ الفن الجزائري وتطويره.

