2025.07.17
نوستالجيا

Deprecated: stripos(): Passing null to parameter #1 ($haystack) of type string is deprecated in /home/clients/f670a3e09c40a959ccfb89c71816c210/sites/elayem.online/vue/article.php on line 88
الصراع المسيحي الإسلامي في حوض المتوسط.. هل كان أبطالنا \

الصراع المسيحي الإسلامي في حوض المتوسط.. هل كان أبطالنا "قراصنة" أم مجاهدين في البحر؟ (الجزء الثالث)


طيلة قرون، كان حوض البحر الأبيض المتوسّط منطقة للصراع بين المسيحيين الأوروبيين والمسلمين من شمال إفريقيا، غير أنّ أوروبا علّمت أبناءها في المدارس والكُتب المدرسية بأن البحّارة المُحاربين المسيحيين كانوا يقومون برسالة مُقدّسة إلى درجة أنهم "لُقِّبوا بحماة العقيدة والحضارة ضد الوحشية الإسلامية". بينما في الكُتب العربية، يوجد اختلاف حول "الإمبراطورية العثمانية" فهناك من يعتبرها استعمارا واحتلالا للبلدان العربية، وهناك من يعتبرها آخر "خلافة إسلامية"، وتبعا لهذا الخلاف هناك من يعتبر - مثلا - أعمال الأسطول الحربي الجزائري "جهادًا بحريًّا"، وآخرون يعتبرونها من أعمال القرصنة، ولا عجب أن يُسمّى قادة الحروب البحرية الجزائريين بـ "القراصنة" خاصة وأنّ مرحلةً من تاريخنا اعتمدت في كتابتها على المصادر الغربية بالدرجة الأولى.. ونعتقد أن هذا الأمر يجب تصحيحه في ذهنية المتلقّي الجزائري لا سيما الأجيال الناشئة، لأن لفظة "قرصان" تُحيل إلى معاني الاعتداء على الآخر وممارسة الظلم عليه.. وواقع الحال أنّ أصل الصراع دينيٌّ بين المسيحيين والمُسلمين منذ سقوط "غرناطة" وتهجير المُسلمين من الأندلس، والسيادة الجزائرية على حوض المتوسط - قلب العالم - كانت جهادا بحريًّا في صراع ديني ما زال قائمًا حتى اليوم وإن كان يتخفّى تحت مسمّيات أخرى! من المُجدي أن نقرأ تاريخ ذلك الصراع في فكر المؤرّخين والكُتّاب الغربيين لا سيما في القضايا التي لم تحظ بدراسات وافرة مثل ظاهرة الاسترقاق والاستعباد للأسرى بين الطّرفَين الناتجة عن ذلك الصراع.. وهذا الإيطالي الأستاذ الدكتور "سلفاتوري بونو"، المتخصص في تاريخ المغرب العربي، سيحدّثنا عن "العلاقات بين إيطاليا والجزائر، من القرن السادس عشر إلى أوائل القرن التاسع عشر"، في مقال ترجمه "أبو القاسم بن التومي" ونشرته مجلة "الأصالة" الجزائرية في عددَي جانفي ومارس عام 1972. وسنرى كيف أنّ هذا المؤرّخ "المنصف" يؤكّد بأنّ الصراع في حوض المتوسط كان صراعا دينيًّا، ومن الجانب الأوروبي كان يتميّز بالهمجيّة والتوحّش إلى درجة أنّ الدول الأوروبية كانت تشكّل تحالفات عسكرية ضد الجزائر، مثل تحالف عام 1541 الذي شاركت فيه 500 سفينة حربية من دول أوروبية عديدة ضد الجزائر.. وفي المقال، يؤكّد "سلفاتوري بونو" عن التّسامح الجزائري والرّقي في التعامل مع الأسرى إلى درجة أن كثيرين منهم اعتنقوا الإسلام وحظوا بمكانة متميزة في المجتمع الجزائري حتى وصلوا إلى أعلى المراتب.. ويحدّثنا هذا المؤرّخ الإيطالي عن الجزائر التي كانت تمثّل الكابوس المرعب لأعدائها، حيث كانت عاصمتها تُعرف باسم "مدينة الرعب" في الدول الأوروبية. وفي الوقت نفسه، كانت الجزائر تمثّل الحلم والأمل للإنسان الأوروبي، فقد هاجر إليها كثيرون من مختلف الجنسيات: (إيطالية، ألمانية، إنجليزية، فرنسية، إسبانية..) بحثا عن الحياة الكريمة في بيئة آمنة تحقّق طموحاتهم. ورغم أنّ "سلفاتوري بونو" كان شجاعا في الاعتراف بقوة الجزائر وفضلها على أوروبا وشعوبها، فإنه لم ينس أن يحدّثنا - لأغراض في نفسه - عن قادة جزائريين كانوا في الأصل أسرى مسيحيين اعتنقوا الإسلام وغيّروا أسماءهم وتَموقعوا في مراكز قيادية وصلت إلى الحُكم! ومهما يكن من أمر، فإنّ أهمّ ملاحظة نستخلصها من المعاني الخفيّة في كتابة هذا المؤرّخ الإيطالي أنّ القوة البحرية الجزائرية كانت مهيّأة لمواجهة أحلافٍ عسكريّة أوروبيّة، ولم يكن في وسع دولة واحدة أن تتجرّأ بمفردها على الجزائر، ولعل ما يُسمّى اليوم "الناتو" (منظمة حلف شمال الأطلسي)، الذي تأسّس عام 1949، قد تأسّس فعليًّا عام 1541 ضدّ الجزائر.. من زاوية التاريخ، وبلسان المؤرّخ الإيطالي "بونو"، نهمس في أذن كل دولة ترى في الجزائر خطرا عليها بهاتين الحقيقتين: الأولى أنّ الجزائر لعنةٌ على من يعاديها، ونعمة على من يسالمها. والثانيّة أن الجيش الجزائري مُهيّأ لمواجهة حلف أو أحلاف عسكرية جبّارة منذ عام 1541، وهو أسمى وأعظم من أن يواجه جيش دولة واحدة.. هكذا يقول التاريخ بلسانٍ أوروبيٍّ! ونترك القارئ مع المقال، مُنوّهين بأنّ آراء الكاتب تعبّر عن رؤيته الخاصة أو من منطلق أوروبي.. "آباء الرحمة" يفتدون أسراهم إنّ استرقاق المسيحيين في مدن شمال إفريقيا: (الجزائر - وتونس - وطرابلس) حقيقة تاريخية مشهورة - وقد كانت الهيئات والمنظمات الدينية في أوروبا تُعنى بافتداء الأسرى وتشجيع عمل الإحسان لفائدتهم، إذ كان جمع مبالغ من المال هو القاعدة الأساسية لتحريرهم.. وذلك استنادا إلى مُؤلَّفات "الآباء الثالوثيين" و"آباء الرحمة" وغيرهم من رجال الكنيسة، والقصص التي كتبها بعض العبيد بعد عودتهم إلى بلادهم، والوثائق العديدة المطبوع منها وغير المطبوع، فقد عالج كثيرٌ من الأخصائيين موضوع الاستعباد في شمال إفريقيا الذي يعتبر في الساعة الراهنة الجانب المعروف على الوجه الأحسن في تاريخ المغرب العربي من القرن السادس عشر إلى أوائل القرن التاسع عشر. صاحب "دون كيشوت" أسيرًا في الجزائر لن أطيل الكلام حول هذا الموضوع، إنّما أريد أن أشير باختصار إلى شاعر صقلّي له شهرة في أدبنا، هو "أنطونيو فينيزيانو" فقد ركب على سفينة حربية صحبة "دون كارلو درافونا"، دوق "تيرانوفا"، فاحتُجزت في شهر أفريل سنة 1578، وسِيق صاحبنا أسيرًا إلى الجزائر، وهناك لقي أحد زملائه الأسير ذا الصِّيت الذائع في تاريخ المغرب العربي، أعني "ميشال دي سارفانتيس" (Miguel de cervantes) فاتّخذه صديقا، وكانا يتبادلان رسائل الشِّعر. ونحن نأسف كثيرا إذ أن الشاعر الصقلّي الذي أقام في الجزائر نحو سنتين لم يعط فيما كتَب أيّ تفصيل عن الحياة في تلك المدينة، وإحدى قصائده التي عنوانها (la celia) المهداة للمرأة التي أحبّها نُظمت من دون شك بالجزائر، كما تشهد بذلك الأبيات التي يقول فيها ما معناه: "إن إرادة الآلهة قضت أن تكوني في صقلية وأنا في الجزائر مُستعبَد عند المسلمين". مؤرخ البحرية البابوية يتحدّث عن الأسرى المسلمين! ولئن وُجد في شمال إفريقيا عبيدٌ مسيحيون فلقد كان أيضا عبيدٌ مسلمون يقيمون داخل البلاد المسيحية، وإنّ المعلومات عن هؤلاء قليلة في كُتب مؤرّخي القرون الماضية. وقد لاحظ ذلك "غوغليو" (Guglio) مؤرخ البحرية البابوية إذ يقول: ".... أما فيما يخصّ العبيد المسلمين الذين عندنا، فلا يوجد مؤرخ واحد يُلجأ إليه لأخذ معلومات أو إقامة مقارنات، فكلّهم قد تحفّظوا وسكتوا عن أشياء يعرفونها. وهكذا أصبحت هذه الأشياء، على مرّ الأيام، غامضة ومجهولة". لقد مضى على هذا القول مائة عالم وإلى اليوم لم نر عالما آخر تعرّض لهذا الموضوع في جملته، وها أنا - استنادًا إلى بعض المراجع لمؤلفين قدماء ومعلومات التقطتها من هنا وهناك من مصادر مختلفة غير مطبوعة - أحاول الحديث عن وجود المسلمين المغاربة في بلاد إيطاليا، وعن طُرق معيشتهم.. لقد كان هؤلاء يدخلون إيطاليا إثر الاستيلاء على سفنهم، أو بعد معارك بحرية أو مناورات دفاعية، أو هجومات معاكسة ضد القراصنة الإفريقيين، أو غزو سواحل إفريقيا من جانب الإيطاليين.. وكانت المدن الإيطالية الموجودة على ساحل البحر مثل: ليفورن، نابولي، جنوة.. تستقبل أوفر عددٍ من الأسرى المسلمين الذين كانوا أقوياء السواعد يصلحون للتّجديف على السفن. وكانت في هذه الموانئ سجونٌ يعيش فيها العبيد، شبيهة بتلك التي يقيم بها الأسرى المسيحيون في المدن المغرب العربي، وفي هذه السجون حانات يستطيع العبيد أن يشتروا منها المأكولات والمشروبات ويجتمعون فيها، وبها أيضا أماكن للصلاة. وفي مدينة (Civita Vechch)، كما يروي "غوغليو"، كان للعبيد المسلمين مستشفى يعالجهم فيه الأطباء المُلحَقون بالسفن الحربية، وكان الحرّاس المُكلّفون بهم يقدّمون لهم الغذاء والأدوية اللازمة بناء على وصفة الطبيب المعالج. وفي هذه المدينة نفسها مقبرة قرب البحر خاصة بالمسلمين، وكانت إلى ما قبل القرن الأخير تُدعى "مرج التركي". المعاملة بالمثل للأسرى في الجزائر وإيطاليا إنّ لدينا قليلا من التفاصيل عن حياة العبيد المسلمين في إيطاليا. ونحن لا ندري هل توجد أخبارٌ في هذا الصدد مثل التي كان يكتبها بعـد عودتهم إلى وطنهم الأسرى المسيحيون. ولقـ عثرنا في دار المحفوظات بإيطاليا على بعض الوثائق تثبت وجود ارتباط تفاعلي بين حالة العبيد المسلمين في إيطاليا وحالة العبيد المسيحيين في الجزائر. فقد كان الأسرى المسلمون كلما أُسيئت معاملتهم، أو تعرّضوا لبعض أعمال العنف أو التعصّب.. يُشعِرون بذلك سلطات بلادهم، ففي سنة 1698 كتَب "خوجة" سجن "ليفورن"، الذي كان يمثّل العبيد المغاربة لدى السلطات المسيحية، إلى داي الجزائر يطلب منه أن يقوم بأعمال انتقامية ضد العبيد المسيحيين الموجودين بتلك المدينة. ولدينا كثير من الشواهد على الانعكاسات السلبية في معاملة الأسرى المسيحيين سببها الأنباء الواردة إلى الجزائر عن سوء معاملة الأسرى المسلمين. وفي سنة 1638 كتَب العبيد المسلمون، الذين كانوا يعملون كجدّافين في السفن البابوية، إلى الأسقف المسيحي المقيم في الجزائر الذي كان رئيس البعثات الكاثوليكية هناك، يتذمّرون من حرمانهم من بعض الأشياء التي كان لهم الحق فيها بترخيص من البابا. وقد أسرع هذا الأسقف بتبليغ شكواهم إلى سلطات "روما"، طالبا منهم تلافي الأمر لدفع ما عسى أن يحدث من ردود فعلٍ في الجزائر.  


Deprecated: explode(): Passing null to parameter #2 ($string) of type string is deprecated in /home/clients/f670a3e09c40a959ccfb89c71816c210/sites/elayem.online/vue/article.php on line 846



يتصفحون الآن
أخر الأخبار