2025.07.17
إضاءات
بطل عملية مطار «اللد».. الياباني «كوزو أوكاموتو» معلّم الفدائيين في فلسطين

بطل عملية مطار «اللد».. الياباني «كوزو أوكاموتو» معلّم الفدائيين في فلسطين


كوزو أوكاموتو - الملقّب بأحمد الياباني - مناضل ثوري، قاتَل من أجل القضية الفلسطينية، وكان قد نفّذ عام 1972 - أشهر عملية - ضدّ الاحتلال الصهيوني - أسفرت عن القضاء على  26 صهيوني، كما ألهمت هذه العملية المقاومة فكرة العمليات الاستشهادية، لكن أوكاموتو - اللاجئ السياسي الوحيد في بلد (لبنان) لم يكن يطبّق حينها سياسة اللجوء السياسي - عانى الويلات بسبب إيمانه بالقضية الأم التي بقي متمسكا بها حتى هذه اللحظة. بمدينة كوماموتو جنوبي اليابان، ولد كوزو أوكاموتو في السابع من ديسمبر 1947، وهو أحد أفراد أسرة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، كما أنه أصغر إخوته وأخواته وعددهم 6 إخوة. درس علم النبات وتعلم اللغة الإنكليزية والعبرية والعربية والصينية والروسية، فتميّز بين أقرانه بذكائه اللغوي وتمكنه من تعلم عدد من اللغات في زمن يسير. انضم أوكاموتو في بداية شبابه عام 1966 إلى الجيش الأحمر الياباني وبدأ بالمشاركة في عملياته، وكان لهذا التنظيم فرع يهتم بالقضية الفلسطينية، وبدأ يتواصل عبر قائدته فوساكو شيغينوبو مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من خلال وديع حداد وغسان كنفاني، ثم اضطرت قيادته وبعض أعضائه لمغادرة اليابان والإقامة في لبنان في فيفري 1971. عملية مطار اللد يوم 30 ماي 1972 غادر 3 يابانيين مدينة روما الإيطالية على متن الطيران الفرنسي، متجهين إلى مدينة تل أبيب، وتحديدا مطار اللّد (بن غوريون). وقرر ثلاثتهم القيام بعملية باسم الجيش الأحمر بالتعاون مع الجبهة الشعبية بهدف الانتقام لعملية تدمير أسطول طائرات الشرق الأوسط في مطار بيروت عام 1968، وكذا من أجل الرغبة في اغتيال عالم الأسلحة البيولوجية البروفيسور الإسرائيلي هارون كاتسير. وبعد هبوط طائرة كل من ياسويوكي ياسودا وأوكوديرا تسويوشي وكوزو أوكاموتو، توجهوا إلى منطقة استلام الأمتعة، وبدؤوا بإخراج أسلحة رشاشة وقنابل يدوية، وأخذوا بإطلاق النيران على المسافرين فقتل 26 شخصا وجرح أكثر من 71 معظمهم من المسيحيين حملة الجنسية الأمريكية من جزيرة بورتوريكو. وفي قلب العملية، قتل ياسودا وانتحر تسويوشي بقنبلة يدوية كان يحملها، وبينما حاول أوكاموتو الفرار ألقي عليه القبض فقد كان مثخنا بجروحه، وبسبب هذه العملية وما تبعها شدّدت شركات الطيران إجراءات تفتيش حقائب الركاب. المحكمة والسجن اعتقل أوكاموتو وخضع للمحاكمة، وفقا لقانون أنظمة الطوارئ التي أصدرتها سلطات الانتداب البريطاني عام 1945. وفي أثناء التحقيق معه وعده ضباط التحقيق الصهاينة بأن يمكنوه من مسدس لينهي حياته إذا تعاون معهم خلال استجوابه، فوافق لأن ثقافته النضالية وثقافة تنظيمه تفضل الموت على السجن، إلا أن الإسرائيليين لم يمكنوه مما وعدوه به، وظل في السجن. وعينت له المحكمة المحامي كريستمان ماكس، الذي عُرف بدفاعه عن المتهمين الإسرائيليين في ظل قانون الطوارئ. وتعرّض للتعذيب في انتظار محاكمته، وتمنى أن ينال حكم الإعدام، الذي لم يصدر لدى الكيان إلا مرةً واحدة بحق النازي أدولف أيخمان، ويوم 23 جويلية 1973 حُكم عليه بـ3 أحكام بالسجن المؤبد. وفي قاعة المحكمة صرح أوكاموتو قائلا: "إنني بصفتي جنديا في الجيش الأحمر الياباني أحارب من أجل الثورة العالمية، وإذا متُ فسأتحول إلى نجم في السماء". وبعد أن توجهت أنظار العالم للعملية، خرج الأديب الفلسطيني غسان كنفاني بوصفه الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية، وأعلن تبني الجبهة العملية بالتعاون مع الجيش الأحمر الياباني، فجاء رد الاستخبارات الخارجية الصهيونية (الموساد) باغتياله في جويلية 1972. قضى أوكاموتو معظم سنوات سجنه الـ13 في الحبس الانفرادي فأنهكت قواه العقلية والجسدية، وروى بعد خروجه أن الإسرائيليين كانوا يجبرونه على تناول الطعام بفمه ويداه مكبلتان من الخلف للإمعان في التنكيل به.. إطلاق سراحه حاول كل من الجيش الأحمر والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الضغط على الإسرائيليين، فتم اختطاف طائرة يابانية في هولندا في جويلية 1973، وتم اقتيادها إلى ليبيا وطالب الخاطفون بالإفراج عن أوكاموتو مقابل الإفراج عن الرهائن الذين كانوا على متن الطائرة، وبعد رفض الجانب الإسرائيلي الصفقة، أطلقوا سراح الطاقم والركاب وفجروا الطائرة. وفي 20 ماي 1985، أبرمت الجبهة الشعبية (القيادة العامة) والكيان الصهيوني اتفاقا لتبادل إطلاق الأسرى (عملية "الجليل")، وشمل الاتفاق أوكاموتو وعددا كبيرا من الأسرى العرب والفلسطينيين. توجه أوكاموتو إلى ليبيا واستقبل بفرح غامر، ومن ليبيا ذهب إلى سوريا ثم إلى لبنان ببطاقة مزورة باسم ديسوكي نامبا على اسم الرجل الذي حاول اغتيال إمبراطور اليابان هيروهيتو حين كان وليا للعهد. وأقام "المقاوم الياباني" في البقاع شرق لبنان، وتزوج خلال إقامته من ابنة فوساكو شيغينوبو مؤسسة الجيش الأحمر. اللجوء السياسي وفي 15 فيفري 1997 في أثناء إقامة أوكاموتو في منزل الناشطة اللبنانية أمية عبود، ألقت السلطات القبض عليه وعلى عدد من رفاقه بتهمة الدخول إلى البلاد خلسة وتزوير مستندات، رغم أن أوكاموتو حرص - خلال السنوات العشر التي سبقت ذلك التاريخ - على تجديد إقامته بشكل قانوني. وأصدر القاضي اللبناني سهيل عبد سامز يوم 31 جويلية 1997 حكما بالسجن 3 سنوات بحق أوكاموتو ورفاقه. أطلق سراح المجموعة عام 2000 بعد انتهاء فترة حكمهم، وجددت الحكومة اليابانية مطالبة السلطات اللبنانية بتسليمهم، فانتفض الشارع اللبناني داعما لهم، لأنهم من أنصار القضية الفلسطينية، ولأنهم وقفوا ضد إسرائيل التي تحتل أراضي لبنان. وتجمهر المئات أمام مبنى وزارة الداخلية اللبنانية، واجتمع عدد من الحقوقيين العرب واللبنانيين للدفاع عن حقوق المعتقلين اليابانيين والحيلولة دون تسليمهم إلى بلادهم، وسمى الإعلام اللبناني الاتفاق اللبناني الياباني "صفقة العار". وزادت ضغوط الفصائل الفلسطينية والأحزاب اللبنانية، تزامنا مع انتفاضة الشارع اللبناني والحقوقيين العرب، ليتم إطلاق سراح كوزو أوكاموتو عام 2000، ومنحه اللجوء السياسي في بلد لا يعترف بهذا الحق، واشترط عليه ألا يمارس أي نشاط سياسي وألا يظهر على وسائل الإعلام، وظل مكان إقامته غير معروف ويعيش رفقة زوجته مي شيغنوبو وولديهما. أما رفاقه الأربعة فقد رحلوا في مارس 2000 من لبنان إلى الأردن، ثم إلى اليابان بصحبة دبلوماسيين يابانيين، وفور وصولهم مطار ناريتا-طوكيو في اليابان تم القبض عليهم واعتقلوا ثم أطلق سراحهم بعد 20 عاما، وحسب مصادر الجبهة الشعبية. فإن أوكاموتو لا يزال مطلوبا لحكومة اليابان التي تقدمت عام 2020 بطلب رسمي للسلطات اللبنانية لتسليمه على الرغم من بلوغه 73 عاما. عام 2022، قالت مي شيغينوبو - ابنة مؤسسة الجيش الأحمر الياباني، فوساكو شيغينوبو – حين أطلق سراحها بعد 20 عاماً في سجن ياباني: "لن يشكل (أوكاموتو) تهديداً على الكيان أو اليابان"، "لكن اليابان لا تزال تطالب كل عام باستعادته، لذلك هناك تركيز عليه رغم حالته الصحية والنفسية". وأضافت مي التي نشأت في لبنان: "لا يمكنني أن أستبعد احتمال أن حياته لا تزال مهددة". وفي ماي 2022، أحيا فلسطينيون في بيروت ذكرى مرور 50 عاماً على عملية مطار اللد في تل أبيب عام 1972، والتي أسفرت عن مقتل 26 إسرائيليا وإصابة نحو 80 آخرين. وفي ظهور نادر، أوكاموتو في إحياء الذكرى بمقبرة الشهداء في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت. ووضع المشاركون إكليل زهور على قبر رمزي لمنفذي العملية اللذين قتلا، ورفع أوكاموتو، الذي بدا نحيلاً وقد غزا الشيب شعره، علامة النصر. وقال أبو يوسف، أحد مسؤولي الجبهة الشعبية في لبنان والمسؤول عن تأمين احتياجات أوكاموتو في لبنان، "كوزو أتى ليدافع عن حرية شعب سلبت أرضه منه، وهو مؤمن بحق هذا الشعب، ومؤمن بالعدالة وبحرية الإنسان".

يتصفحون الآن
أخر الأخبار